( التربية والأمراض النفسية بين الشخصية السوية والإزدواجية )
بقلمي جمال القاضي
تختلف المجتمعات عن بعضها في ظروفها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والمناخية وكل مناحي الحياة ، مماترتب على ذلك إختلاف الحالة النفسية لأفراد الأسر بهذه المجتمعات عن غيرها ، وبالتالي كانت هناك سمات مميزة يتصف بها كل فرد عن غيره ، وكل مجتمع عن غيره .
ولنا أن نعيش الظروف التي كان يتعرض لها الإنسان في مراحل حياته الأولى وهي مرحلة الطفولة ، حيث أن هذه المرحلة تعد من أخطر المراحل في حياة كل إنسان ، وتعتبر الصفحات البيضاء لكل فرد من كتاب الحياة ، نكتب فيها كل مانريد كتابته على سطورها ،
ونسينا أن هذا الكتاب يسجل ولاينسى حروفاً أو كلمات أو مواقفاً حين يعيد العقل عبر ذاكرة كل الإنسان من خلال شريط الأحداث الذي يتذكره مرة آخرى ويتذكر كل تفاصيل ماضيه وكأنه شاشة تدور أمامه فتغير حالته النفسية مع كل حدث أو موقف يراه رغم أنه مضى منذ وقت بعيد ، فيشعر بالرضا أحيانا ، و قد يثور ويغضب أحيانا آخري ، حين يتذكر مواقف للظلم كان يتعرض لها ممن كان هو مسؤل عن تربيته منذ سنين مضت وكان يعيش فيها ويذوق مرارتها .
من أين جاء المرض ؟
ذكرنا سابقا أن العامل الأساسي في بداية تعدد الشخصيات أو ازدواجيتها هو أسلوب التربية الذي كان يتبعه كل من الأب والأم في تربية الطفل ،
وسوف نستعرض بعض من هذه الأسباب التي هي بمثابة صوراً كانت خاطئة في أسلوب التربية وجاءت مع مواقف كان يتعرض لها الفرد في مرحلة الطفولة أو أي مرحلة من مراحل عمره المختلفة ، وترتب عليها الكثير من الأمراض النفسية المدمرة للشخصية والتي منها تعدد أو أزدواج الشخصيات ،
الأسباب وراء الأمراض النفسية :
أولا : التفرقة بين الأبناء في التعامل :
ويبدو ذلك جلياً وواضحاً حين نرى التعامل الحسن مع الأبناء الذكور دون غيره من الإناث ، حيث يرى الذكر حينها ومن ذلك وحين يصل إلى مرحلة الشباب أنه يتمتع بأهمية متقدمة عن الأنثى وأنه هو وحده من حقه هذه الرعاية وهذا الإهتمام والتمييز عن شقيقته ، وهذا يجعل الأنثى تفقد دورها وأهميتها الذاتية وأنها لادور لها يكون في هذه الحياة سوى العمل على تلبية رغبات الرجل وتهميش رغباتها وتأخيرها عن طلباته ، فتشعر بذلك بالضعف الشديد ، مما يخلق نوعا من شخصية جديدة تراها قوية تقتبسها من نسوة أقوياء ممن حولها لتتمرد بها على هذه الشخصية الضعيفة في بعض المواقف التي تحتاج لقوة . ثم تعود لطبيعتها من الشخصبية الضعيفة فيما بعد ، وهذا نوع من تعدد وازدواج الشخصية .
ثانيا : الثواب والعقاب :
إن من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى الكثير من الأمراض النفسية والتي منها تعدد الشخصيات هو طريقة محاسبة الطفل على الأخطاء التي قد يأتي بها ، حيث أن أسلوب العقاب وكذلك وقت العقاب يؤثران تأثيراً سلبياً إذا لم نختار توقيتاً يناسبه أو ظروفاً تناسب الخطأ ،
ومن أبرز هذه الصور السيئة في العقاب ، هو معاقبة الطفل أمام أخوته ، أو باقي أفراد أسرته ، أو أمام أصدقائه الصغار ، هذا الأسلوب هو طريقة خاطئة تؤدي إلى تولد شخصية تتصف بالعنف لكنها لاتستطيع أن تعبر عن نفسها في الوقت الحالي إلا أنها إلا بعد مراحل متقدما من عمر الإنسان تفصح عن نفسها بجانب الشخصية الحقيقية ، حين أن تدرك أيضا أن شخصية الفرد الذي يحملها هي شخصية ضعيفة وأن الشخصية التي ترافق تلك الشخصية حان لها الوقت أن تظهر للواقع لتثأر من كل ظالم ظلمها في الماضي ، لكن الظلم والثأثر في الواقع لهما ضحايا من الأشخاص الذين يتواجدوا حول هذه الشخصية وهذا نوع آخر لإزدواج الشخصية .
ثالثا : مايتعرض له الإنسان من ظروف قاسية للحياة
يتعرض بعض الأفراد وكذلك بعض المجتمعات لظروف إقتصادية صعبة ، تجعل الأفراد دائما في شعور من فقدان الأمل في الحياة ، فتخلق نوعا جديداً من الشخصيات الداخلية المتمردة التي تنتقم دائما ممن تراهم كانوا سببا لما قد وصلوا إليه من سوء لحالتهم ، فتتولد شخصيات متعددة تختفي بينها الشخصية الحقيقية للإنسان .
رابعا : تهميش رغبات الطفولة
إن من الثواب أن نجعل كل طفل يعبر عن رغباته الداخلية والعمل على إشباع هذه الرغبات وعدم كبتها أو تراكمها بداخله ، وفي ذات الوقت تقويم مانراه لايليق في صوره وذلك بتقويمه يطرق تربوية صحيحة يقتنع الطفل معها بمنعها عن أو تلبيتها له .
متى نعلم أننا في بدايات تعدد الشخصيات ؟
سؤال مهم علينا أن نضعه في الإعتبار ،
ولكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نفرق بين أصوات عديدة صادرة من أعماقنا وبداخلنا ،
فمن هذه الأصوات صوت الهوى والنفس والشيطان وكلها أصوات تأمرنا وتسوق بنا تجاه الشر ، وهناك أصوات غيرها مثل صوت الضمير، وتنادينا هذه لتبعدنا عن مايأمر به الهوى والشيطان ، وهناك أصوات الشهوات تنادينا ، والضمير والتربية يتحكمان في إشباعها لكن وفق مناهج مشروعه ،
فكل هذه الأصوات نسمعها جميعا ونميز بينها ،
لكن هناك أصوات آخرى لايسمعها إلا أفراد قليلة من البشر ، هي تلك الأصوات التي تخبر شخصيتنا بالضعف ، هي الأصوات التي تخبرنا بأنها جاءت هنا لتتغلب على الشخصية الحالية الضعيفة لتصبح هي الشخصية الجديدة التي يجب أن نكون عليها وتجعلنا في تمرد على أنفسنا وتخبرنا أيضا أنه حان الوقت للتخلص من شخصيات قائمة أو التنحي قليلاً لإفساح المجال لها وخلق مساحة جديدة لها لتعبر عن نفسها ، تلك هي الشخصيات المتعددة التي تسبب في النهاية الشعور بالقلق النفسي والتوتر والتغير من حال إلى حال على حسب سمات كل شخصية خلقت مع الظروف التي يتعرض لها كل إنسان في مراحل حياته المختلفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق