العرق و الغصن ؟
أكتبها لا أكتبها... تردد ثم رسم صورة إمبراطور تنقصه العينان...
كل فجر... يفر من سريره وكأنه سارق ويضع جثته فوق كرسي من خشب القصب... يحلو له صرير المقعد وهو يتململ ليرتب أفكار ليلته وما أجهضت ببن يقظة ونوم. كان ضوء مصباح خزنة تفكيره حقيرا. وكان ذهنه محنط ووحيه غائب.
لم تلبسه ولو كلمة. بقي سارحا مع ظله في ترقب رجوع النور...
وفجأة هجر موقعه وانتصب أمام مكتبته وآخذ كتاب جبران... ورقه وكأنه قد بأن له الضوء.
( ليحب أحدكما الأخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيداً، بل اجعلاه بحراً متدفقاً بين شواطئ أرواحكما. البعض نحبهم لأنّ مثلهم لا يستحق سوى الحب، ولا نملك أمامهم سوى أن نحب، نرمم معهم أشياء كثيرة، نعيد طلاء الحياة ونسعى صادقين كي نمنحهم بعض السعادة. الحب ضحك ينبثق من أغوار دفينة في ثنايا الروح.)
و بعد القراءة كتب :
ليعشق الزوج عروسه ، لكن لا تصنعا من الهوى فرملا بل اجعلاه واديا جارفا بين ضفاف قلوبكما.. نألف البعض لأنهم في عيوننا يستوجبون الحب ولا قوة لدينا أمامهم سوى الضعف. نبني معهم مستقبلا و نزين الدنيا كما لم يرسمها فنان و نطمح صادقين كي نبعدهم عن كلِّ مكروه.
لو كان الحب كلمات تكتب لانتهت أقلامي، لكنّ الحب أرواح تُوهَب فهل تكفيك روحي؟
كم هي سهلة الكتابة عندما ننتحل افكار الغير... هل ما كتبه عن جبران سرقة أدبية أم إلهام أم اقتباس؟ الأفكار ملك للجميع ومن المستحيل منع الآخرين من أن يكون لديهم نفس أفكارك في نفس الوقت الذي تمتلكه أنت.
يطوف حوله ويحرث بيته يسارا يمينا وشرقا وغربا. لا يروق له شيء. ذوقه تمزق... قلمه جف وخياله نشف وجف. ضرب انتاج جبران عرض الحائط. وخرج هائم باحث عن الهواء...
اعترضه جمع من المصلين فلم يبادرهم بالسلام... غادر القرية واحتمى بالمقبرة سأل قبر اباه... هل انا منتحل يا ابتاه. لم يرد عليه أحد.
لم ينتبه إلى غناء العصافير و ضوء الشفق الأول المبشر بيوم جديد. .
ازعجته حركة من شجرة الخروب... جمع من العيون المخيفة المحدقة... بوم وصغارها، انتصب صامتا، العين بالعين... وتخيل أن البوم تضحك عليه رماها بالحجارة مرات عديدة فلم تحرك لها جناحا. اغضبه عنادها... صرخ أنا لست بسارق ولا شرير كنت أبحث عن سبيل فاخترت السهل الممتع...
ترك البوم لحالها واتجه نحو أحمق القرية في بيته القصديري طرح عليه المشكل فكان رده منيرا... أنا، كل الناس يصفونني بمهبول... فانتحلت الصبغة وأصبحت مدللا لدى الجميع. إذا جعت اطعموني... إذا أصابني البرد، غيروا هدومي وإذا عطشت، سقوني ما يسكن عطشي وإذا مرضت داووني. ولانني لست غبيا كما يظنون، لم أحاول تغيير عاداتهم ولم أضر نساءهم ولا أسرق اموالهم.
فكر طويلا مغزى كلام الرجل الغبي، الذي لا يعرف اسمه مثل كل المتساكنين رغم عيشه بينهم منذ سنين. توقف على الجملة الاخيرة "لم أضر نساءهم ولا أسرق اموالهم". فتبين له انه هو الغبي وليس المجنون الطبيعي لدى عموم الناس.
هرول راجعا إلى بيته مزق ما كتب ورتب جبران في مكانه استلقى على سريره وقال بصوت هادئ...
"اعطاء الفضل في كل شيء لمؤلفه الحقيقي. في بعض الأحيان عليك أن تعرف كيف ترد إلى قيصر ما هو لقيصر. *
لم يفارق هندامه وحذاءه وقبعته عندما ارتمى على سريره، تدثر بغطاء ليتدفأ به من البرد فأخذته رجفة شديدة... وهذى... انتحلت ماذا؟
أنا لست إلا سارق سعادة...
فمالفرق بين العرق و الغصن ؟
عبدالفتاح الطياري
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق