إن اللُّغة العربية تَّوقيفٌ، من عند الله تعالى والدليل قوله تعالى:( وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين )ﱠالبقرة: ٣١، فلفظة الأسماء هنا هي الكلمات، وقال الإمام أبو البركات: "الكَلِمِ اسم جنس واحدته " كَلِمة" كقولك: نَبِقة ونَبِق، ولَبِنة ولَبِن، وثَفِنة وثَفِن وما أشبه ذلك"، وقال الإمام السيوطي: كل ما يخرج من الفم وليس بحرف فهو صوت، وإن كان حرفاً فهو لفظ، وإِنْ أفاد معنى فهو قول، والكلمة اسم تتكون من لفظ أو لفظين
– مجموعهما لفظٌ واحد-، وقال:"فإن كان مفرداً فكلمة"، وقال الإمام الأنباري: سُمّي الاسم اسماً لوجهين: أحدها أنه سما على مسمّاه، وعلا على ما تحته من معناه، والوجه الثاني لأن الاسم يخبر به ويخبر عنه، لهذا سما على الفعل والحرف أي ارتفع، والكلمة أيضاً ارتفعت عن رتبة الأسماء كلها، وهي تحمل معاني الألفاظ جميْعها، التي تشتق منها بطريقِ اشَتقَاق المعاني لألفاظها، وذكر الإمام الأنباري:"أن الكَلِم ينْطَلقُ على المفيد وعلى غيرِ المفِيد"، وهذه المعاني التي تحَمِلُها لا يمكن أن نَفْهَمُها من خلال ذَكْر الكلمة، وإنما بعد اشْتِقَاق ألفاظها منها، وهذه الألفاظ تحَمِل المَعَانِي التي تَسْيّر بنَا إلى ألفاظ المَعَانِي.
والكَلِمةُ لِيسَتْ لها معنَى محدد في ذكرها، وذكر بعضهم:"إنَّ الكلمة إما أن تستقل بالدلالة على ما وضعت له أو لا تستقل، وغير المستقل الحرف، والمستقل إما أن تشعر مع دلالتها على معناها بزمنه المحصل أو لا تشعر فإن لم تشعر فهي الاسم، وإن أشعرت فهي الفعل"، وإنما هي مجموعة معانٍ متعددة تسير في طُرق مختلفةٌ، ينتج من ألفاظها غايات لمعانِيها، ومَجْمُوع تلك الغايات يَقعُ على الكَلِمة لغاية واحدة متفقَة على مقصودها.
والكَلِمة ليستْ كالأسماء في الإِسنَاد، فهي تُسند، ويسند إليها، أما باقي قواعد الإِسنَاد، للاسم فلا يشملها، وقال الإمام السيوطي:"الأسماء في الإِسناد على أربعة أقسام: قسم يسند ويسند إليه وهو الغالب. وقسم لا يسند ولا يسند إليه كالظرف، والمصادر التي لا تتصرف، والأسماء الملازمة للنداء. وقسم يسند ولا يسند إليه كأسماء الأفعال. وقسم يسند إليه ولا يسند كالتاء من ضربت، والياء من افعلى، والألف من اضربا، والواو من اضربوا.
والنون من إضربن، وأيمن، ولعمرك". وقال بعضهم:"إن الكلمة إما أن يصح إسنادها إلى غيرها أو لا، إن لم يصح فهي الحرف، وإن صح، فإما أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا، إن إقترنت فهي الفعل، وإلّا فهي الاسم".
والكلمة ليس لها طريق يعرف معناها، وليس لها غاية محددة، وإنما لها غاية لمقصودها، وبذلك تتعدد الغايات في الكلمة الواحدة، ويبقى مقصودها واحدٌ لا يتغيّر؛ وبذلك نحصل على لفظ (الكلمة) له عدة ألفاظ في معانٍ مختلفة، وهذه الألفاظ هي التي تحدد سير المعاني لمقصود الكلمة، كما أن المعاني هي التي تحدد غاية اللفظ لمقصود الكلمة، فكان كل واحد منهما خادماً للثاني.
فلفظة (الأسماء) أشمل من الكلمة ولهذا السبب ذكرت بدل (الكلمات)، لأن الاسم يشتق منه الفعل، والكلمة يشتق من معناها، الألفاظ، وألفاظ المعاني، وألفاظ المعنى الحقيقي، وألفاظ معنى المعنى، وكلها أسماء، و دل ذلك على لفظة (كُلَّها) أي هذه الألفاظ التي ذكرتها.
واشتقاق الكلمة معتمد على المعنى الذي يحمله اللفظ، وليس للفظ أي قيمة للكلمة، أمّا الاسم فهو معتمد على اللفظ فيشتق منه الفعل، وقال الإمام ابن جني:"ألا ترى أنَّك تَجيء إلى الضَّرْب الذي هو المصدر فتشتقُّ منه الماضي فتقول:"ضَرَبَ"، ثم تشتق منه المضارع فتقول: "يَضْرِبُ"، ثم تقول في اسم الفاعل:"ضَارب"، وعلى هذا ما أشبه هذه الكلمة". وقال في الآشتقاق:"والاشتقاق أقعد في اللُّغة من التصريف".
والاسم له تدخل في الكلمة، كي يشتق منها تلك الألفاظ، التي تحمل المعنى المقصود للكلمة؛ فنجد ذكر الأسماء أبلغ وأجمل لمعنى الكلمة. والأمر الثاني الاسم وتَصْرِيفَاتهُ فبه ما كان للكلمة، أي موقع للعربية، وقال الإمام ابن جني:"فالتصريفُ إنما هو لمعرفة أنْفُس الكلم الثابتة، والنحو إنما هو لمعرفة أحْواله المتنقِّلة، ألا ترى أنك إذا قلت:"قامَ بَكْر، ورأيْتُ بَكْراً، ومَرَرْتُ ببَكْر"، فإنك إنما خالفت بين حَرَكات حُرُوف الإعراب لاختلاف العامل، ولم تَعْرِض لباقي الكلمة".
فالاسم هو العامل الأول في الكلمة فبه تظهر المعاني التي صرفتْ واشتقتْ منها، ومن هذا ذكرتْ الأسماء بدل الكلمات. وقال الامام الرازي: في قوله تعالى:(( وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ))البقرة: ٣١، دلَّ هذا على أنَّ الأسماء توقيفيَّة. وإذا ثبت ذلك في الأسماء ثبت أيضاً في الأفعال والحروف"، وإنَّ الكلمات لا يمكن التكلَّم بها، فهي مبهمة المعاني ولا يمكن بيان معناها حتى نتكلم بعد ذكرها بألفاظها المذكورة آنفا
وعلى هذا المنحى يكون تأويل الآية الكريمة على النحو الآتي: إنَّ الله تعالى قرأ على آدم ، كتاب الذكر، وهذا الكتاب المبارك، هو كتاب الدنيا الذي أنزَلهُ الله تعالى إلى سماء الدنيا.قال تعالى ﱠالإسراء:( بالحق أنزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك الا مبشرا ونديرا ) ١05 قال تعالى (وهذا ذكر مبارك انزلناه أفانتم له منكرون )ﱠالأنبياء: ٥٠
أنا أنزلناه في ليلةمباركة أنا كنا منذرين )ﱠالدخان: ٣
[القدر:١ – ٥] قال تعالى ( أنا أنزلناه في ليلة القدر وما ادراك ماليلة القدر ليلة القدرخير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر القدر: ١ - ٥
ومن هذا الكتاب المبارك نزلت الصحف المكرمة، والكتب المقدسة الأربعة، وعلى ما تبيَّن فإن الصحف المكرمة، والكتب المقدسة الأربعة، هي محفوظة من الله تعالى ولا يمكن تلاشيها أو تغييرها أو نفيها من هذه الحياة الدنيا،قال تعالى ( انا نحن انزلنا الذكر وانا له لحافظون )ﱠالحجر: ٩، فالصحف مرفوعة مطهرة، والقرآن الكريم موجوداً بين أيدينا، والكتب المقدسة موجودة أيضاً كما أن القرآن الكريم حاضر بين أيدينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق