السبت، 2 سبتمبر 2023

ربما عليك ان..
إن من يمعن النظر والتدبر في آيات القرآن الكريم يظهر له بوضوح أن الله سبحانه دعا عباده المؤمنين إلى الكثير من الفضائل الأخلاقية، والتكاليف الشرعية، وأمرهم أن يقوموا بأدائها أو يتحلوا بها، ومن ذلك التمتع بالطيبات من الرزق وعدم البخل على النفس، حيث يقول الله عز وجل في محكم كتابه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31 ـ 32].
فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالأكل من الطيبات وهي كل ما أحله الله تعالي من اللحوم وغيرها، وأمرهم عز وجل بشكره على نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال، فالشكر يكون بالاعتراف بالنعمة وحمد المنعم عليها وصرفها فيما أذن أن تصرف فيه، وذلك كنعمة العلم والمال والبدن، فشكر نعمة العلم العمل به، وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته، وشكر نعمة البدن أن يسخر في عبادة الله، وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات
إن الأمر بالأكل من الطيبات سنة المرسلين وأمر الله للمؤمنين كما في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:  أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172].

ولقد كان النبي حريص على أن يتمتع المسلم بالطيبات وإعطاء نفسه حقها أيضا، حين صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لعبد الله بن عمرو وقد بلغه أنه يقوم الليل كله، ويصوم الدهر كله، ويختم القرآن في كل ليله فقال: [فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا].
وقد بدأ الحديث بحق الله [إن لربك عليك حقا]، لأنه أوكد الحقوق وأعلاها، وأعظمها وأولاها، ومع ذلك أبت الشريعة أن يطغى على بقية الحقوق، واعتبرت الزيادة فيه عن الحد نوعا من الغلو المرفوض والطغيان الزائد الذي ينهى عنه صاحبه.
ولما كان الغلو في العبادة أول ما يعود بالنقص على حق النفس والإضرار بالبدن، كان التوجيه النبوي [إن لنفسك عليك حقا].. أو [إن لبدنك عليك حقا].
فإذا قلنا إن النفس تتكون من روح (قلب) وعقل وجسد، كان على الإنسان أن يوازن بين مطالب كل واحد منها، ويسعى في إشباع كل جانب بما يحتاجه دون إفراط أو تفريط.

فعلى الإنسان الايحرم نفسه من شيء تشتهيه وان يرضيها ولو بقدر قليل، فمن حق النفس على الإنسان الا يبخل عليها مما احل الله عز وجل، فيقي نفسه من كل ما يؤذيها ويضرها، فالشخصية المسلمة شخصية متوازنة متكاملة، جسم قوي، وعقل قوي، وروح قوية، فهذه هي معالم الشخصية التي يريدها الإسلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل :قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان] رواه مسلم. وقال أيضاً: [إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقّه](رواه البخاري).

ويعد الاستمتاع بالحياة من نعم الله وخيراته تعتبر حالة من العافية حيث تحقيق راحة النفس، فالصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض، فالإسلام يريد لنا العافية، فلا نضر بالجسد أو نضر بالنفس فنصاب باضرابات نفسية، حيث فالمؤمن القوي خير من الضعيف، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه السابق ذكره، وبين الاسلام أيضا أن الإضرار بالنفس محرم على وجه الإطلاق في، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى أن لا ضرر ولا ضرار".
ويأمر سبحانه المؤمنين بأن يتمتعوا في هذه الحياة بما أحله الله لهم من الكسب المشروع، والرزق الطيب، والمتاع النافع، حيث أن الإسلام يريد لنا تحقيق السعادة، وراحة البال، وسكينة القلب، في هذه الحياة ويريد لنا النعيم الأبدي في الآخرة، ويكون ذلك بتحقيق التوازن بين الجانب المادي والمعنوي، فلا إهمال في أي جانب، فإذا تغافلنا عن الجانب الروحي للحياة فإنه سيؤدي إلى مرض النفس وهو مرض روحي شائع، هذا المرض الروحي الذي،إذا لم يتم علاجه، سيؤدي إلى عواقب غير محمودة.

ونخلص من ما سبق ذكره إلى وجوب الأكل من الحلال بوجه عام، بمقدار ما يقيم البنية ويحفظ على الإنسان صحته وعقله، والا يبخل الإنسان على نفسه بشيء، فبالطبع لا يخفى على أحد أن البخل مذموم، وأن البخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، كما أن الإسراف مذموم أيضا.

@الجميع
#فاطمة_عبد_العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...