مسامير
بقامتها الرشيقة ولباسها الأنيق... شقت شهرزاد اسم له ذكرى حديقة الشلالات بالإسكندرية قبل أن تركب حافلة القدس. تدفع حافظتها الصغيرة بلطف ومرونة... رسالتها ذر رماد والديها في بيت الأجداد المغصوبة...
في كل قصص الحب تتكرر جراح الطفولة: إما أن نشفى أو نعمق جراحنا.
شغف، ادعاءات، سيطرة... من يتلاعب بمن؟
لفهم طبيعة علاقتها مع نفسها، تلاحظ شهرزاد الذكريات التي تخرجها من رأسها خلال رحلة بالحافلة من الإسكندرية إلى القدس. بينما تمر المناظر الطبيعية لنهاية العالم من خلال النافذة، تنظر البنت إلى الأحداث البارزة في حياتها.
شابة هشة تبحث عن بداية. كانت عالمة آثار و تحلم بزوج جذاب ورائع على استعداد لفتح الأبواب أمام عالمها الذهبي.
حياة والدها تشبه الحرب في فلسطين. كلما تقربت منه، قل فهمها له. تمكنت من تحديد مكان نفيه، وتبقى لها بعض اللحظات البارزة، ثم تضيع. هناك الكثير من التواريخ، والأحداث، والثقوب، والصمت، والتناقضات.
اكتشفت الشعر في مكتبة أمها، وقتل والديها في مجزرة صبرا وشتيلا، ومسلسل مراهقتها ونزعاتها الانتحارية وتشخيص ثنائيتها القطبية. ولقاؤها، قبل عشر سنوات، مع اجنبي لا تعرف عليه شيء، رابطتهما الرسائلية التي كانت تذكرها الإدمان، وانهيار علاقتهما الرومانسية في الاتصال بالواقع.
وعاد الحب، ولمدة سبعة عشر شهرا ظلت شهرزاد تفقد عقلها. وهي التي ازدهرت في أعماق عزوبتها، ترى قلبها وروحها ممزقين من جديد مع هذا الحب المستحيل.
عودته لم تغير الوضع. لا يزال حبيبها غامضا والأكثر من ذلك أنه في علاقة مع بنت أخرى. وتأمل شهرزاد، اعتمادا على محطات التوقف، أن تجد حلا لمستقبلها عند المحطة النهائية.
تشكل القاهرة الصاخبة والاسكندرية الحالمة والقدس الروحية المثلث الذهبي لرحلتها العاطفية... هذا البلد الأكثر جمالا في العالم يضعها متخوفة من قرارها الرهيب أو على العكس من ذلك، الخفيف، حيث يأخذ من وقتها الكثير من الارهاق والتفكير. كانت تهزها الصدفة... لا حسابات ولا تصميم. ومن اللقاءات تغير مسار حياتها.
في حين أن الحماقة، والارتباك، والعداء، والصراعات تنمو من حولها. رفضت اللامنطق، والمخاوف، والغرائز الأنانية للذين يحيطون بها... تسميها بكل تهكم الموجات السلبية.
وصلت إلى القدس وبعد صراع مع بوليس الحدود لم تجد أحدا في انتظارها، اتخذت مكانا نائيا عن الخلق وفي زاوية أين تراقب المارة من نافذة قديمة تنظر إلى الساعة الخشبية المعلقة فوق الموقد... حابسة ... تشير إلى منتصف الليل...السنة 1948...تبسمت... قالت... لم يتغبر شيء... طلبت قهوة قدسية... وخطت على كنشها العتيق :
هنا تبدأ حياتي من جديد.
لا امرأة تقرر تدميرك، لا تعقيدات إدارية تجعل وجودك جحيما، لا حبا شبابيا ينبغي رؤيته مرة أخرى، لا ضيوف عشاء يكافحون مع ثقل التقاليد... من مدينة إلى مدينة كبرى ساتنقل ، و من كوخ إلى فندق فخم سأقطن، ومن حافة بحرية إلى قصر رائع ساتجول... و اقسم برب الكائنات ، سوف لا أكسب دارا.
كنت في طفولتي أحب زيارة بيت جدي في مدينة القدس العتيقة ومع جدتي استمع إلى قصصها المثيرة... واليوم هدمها المستعمر ووضع في مكانها مركز شرطة...
شهرزاد تستكشف من خلال حفريات قصتها الجانب المظلم للروح البشرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق