الأربعاء، 28 فبراير 2024

ارحل و لا تتردد 
وبينما هما غارقان في حيرتهما، نسوا أن الزمن يمر دون أن ينتظر أحدا، وأن ما لا يفعلانه اليوم بشجاعة ومن تلقاء نفسهما سيظل يتدحرج ويكبر وسيكون عليهما التعامل معه لاحقا مجبرا ومكرها.
حريصان دائما على المغامرة، فرت أروى وزوجها سالما من موطنهما تونس في عام ألف وتسعمائة وتسعين، برفقة طفليهما الاثنين الصغار الذين تبلغ أعمارهما ثمانيا وعشرة سنة. مسلحان بالشجاعة والمثابرة، أصحرا دون أي خبرة سابقة في الصحراء، باستثناء بضعة أيام هنا وهناك.
لقد وقعا في براثن الاستهلاك القهري وانغمسا في حياة يومية لم تعد تناسبهما، وهما يبحثان عن شيء أعظم من أنفسهما، عن تجربة السعادة الكاملة والملهمة، للعيش في بساطة خالصة.
زادهما جمل وخيمة ومعيشة وماء مع عناية الاهبة كلها ثقة وايمان.
إنهما يسعان لتحقيق أحد أعنف أحلامهما. إنهما يتجولان في جزء من هذا العالم الرملي على القدمين دون بوصلة.
ولكن جولتهما الكبرى حسب تطلعاتهما قبل كل شيء هي الرحلة حول أنفسهما. مقتنعان بأن مصيرهما الجديد سوف يتجاوز أعظم تطلعاتهما.
سوف يعودان إلى الأرض متحولين، ومتأكدين بالقيم الغريبة التي سيتم عيشها.
نام الجميع في واحة نائية، أين النظر لا يحده قناع... كثبان من الرمل وراء كثبان...
أستيقظ لنوبته الليلية، قليل من الذكر الصوفي وشيء من اليوقا... هذه هي ذروة تجلياته. الهواء دافئ ومريح. تتلألأ النجوم بالآلاف، وتتغاير مع هذه الخلفية السوداء اللانهائية. مجرة درب التبانة صافية وتعبر السماء بأكملها، وتلامس الأفق من الرمل إلى السماء. هناك عدد كبير جدا من النجوم المتساقطة التي لا يمكن إحصاؤها. الرياح ثابتة و خالية من العواصف الرملية، كانت الكثبان تلمع لمعان ماء اودية الباحثين عن الذهب. كل شيء هادئ وهادئ من حوله.
الخيمة قائمة بشكل جيد، والجميع ينامون بسلام. يتذوق هذه اللحظة وحده مع نفسه في هذه الليلة المريحة، مع الصحراء، مع هذه الضخامة، ومع هذا العالم المليء بالغموض تحت قدميه. يتمنى أن لا تنتهي هذه اللحظة أبدا، ثمينة ولا تشوبها شائبة.
وفي الغد... عمت السعادة على الوجوه واجتمعت العائلة حول فطور الصباح على الرمل لا كرسي ولا طاولة... كان الطفلان هادئين وكأنهما متعودان على العيش في الصحراء مما أذهل والديهما. ينظران إليهما بكل فخر. إلى حركاتهما... إلى إيماءاتهما... غمزت أروى سالم وقالت له في أذنه اليسرى،
هل ما نفعله مجدي؟ هل أنت سعيد؟ هل ستكون حياتنا أجدى مما كنا عليه.؟ والله، لقد صدق من قال: ارحل لتعود بشكل أفضل...
ومرت الايام والليالي وحلت الزوابع وتغيرت الاتجاهات وضاعوا وخافوا وانتهت الرحلة معية قطيع من الجمال على خطى رحل الطوارق حتى وصلوا إلى بر الامان.
عبد الفتاح الطياري
تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...