لم أعرف لماذا عاد أبي من السوق ومعه لوحة فنية تمثل سيدة شابة على غاية من الجمال ترتدي فستانا جميلا وجريئا من الساتان الأسود وفي الصورة، يتدلى الحزام الأيمن المرصع بالجواهر على كتفها، الأمر الذي وجدته امي في ذلك الوقت فاضح تماما. فهو فستان يكشف ويختبئ في نفس الوقت. تتميز الصورة بنبرة اللحم الباهتة المتناقض مع الفستان وخلفيته داكنة اللون.
وعندما سألته أمي عن السبب؟ أجابها بعنف: أعجبتني المرأة...
غارت أمي ولكنها امتثلت إلى ذوق زوجها، وعنوة، علقتها في كوخ الحقل بعيدة على كل الأعين.
عقود من الزمن مرت... وتراكم عليها الغبار.
وفي أيام صيف 1975، رجعت معية صديق فرنسي إلى قريتي وزرنا معا حقلنا... رأى اللوحة وبقي منتصبا أمامها... ينصرف ثم يرجع، جعلته في حيرة. أخذها ومسح ما كساها من الوسخ. فوضح له جلي الحرف ايكس على الحزام. فسر لي: ليس من قبيل الصدفة أن تكون روائع الرسم مصدر إلهام للعشرات من نظريات المؤامرة والقصص الغامضة. حسب رأيي إنها قديمة جدا. وربما لهذا السبب تحاول مخيلتنا العثور على رسائل ورموز مخفية فيها. وهذا الحرف يعني شيئا ما! ويعتقد أنها من عمل مدارس البورتريه . ثم طلب من أبي أين وجد هذه اللوحة... تلعثم أبي في تفسيراته ووضح إلينا أنه اقتناها من سارق أثاث المستعمرين من المزارع المهجورة بعد استقلال البلاد.
طلب منه هل يستطيع استعارتها لكي يثبت في تاريخها لأنها توحي إليه، أنه قد شاهدها في أحد المتاحف من قبل...
تم إرسال اللوحة إلى أحد أصدقائه في باريس لتنظيفها وترميمها. لاحظ القائم على الترميم أن العمل كان محجوبا بطبقة سميكة من الورنيش. وباستخدام الأشعة السينية والفحص المجهري للقماش، اكتشفوا أن ضربات الفرشاة كانت تذكرنا بالرسام الأمريكي "جون سينجر سارجنت". وأكدت التجربة أنها لوحة أصلية، والتي تم تخليدها تحت اسم مدام إيكس. هي في الواقع فيرجيني غوتارو، عارضة الأزياء وإحدى الشخصيات الاجتماعية الباريسية... أما أولئك الذين ينعتونهم ب "إيكس" غالبا ما يكونون على طريق روحي لاكتشاف الذات، ويسعون إلى توحيد الأضداد داخل أنفسهم وإيجاد التوازن في حياتهم.
وقد تبلغ قيمة اللوحة الآن عشرات الملايين من الدولارات.
زففت الخبر إلى أبي بأنه سيصبح غنيا... ضحك مني وقال وكأنه متضلع في فن الرسم:
كنت أشعر بالحياة فقط عندما أتأمل هذه اللوحة... والأنا أتيتم لتسرقوا حلمي.
بقلمي عبد الفتاح الطياري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق