ذات يومٍ التقى الشرف بالمال دون تنسيقْ
والمال يخطر مثل ضفدعٍ بطرٍ حليقٍ أنيق
فقال المال للشرف عمت صباحاً يا صديق
فلم يجب الثاني وظل متابعاً سيره بضيق
فقال المال لماذا لا ترد وتاريخنا معاً عريق
فرد الشرف واجماً وهو يبلع غاضباً الريق
وعلى وجهه علامات من الاشمئزاز العميق
لم نعد أصدقاء يا هذا منذ عهدٍ بالٍ سحيق
فصحبتنا قد اعتمدت على التمثيل والتلفيق
وبصراحةٍ لم أعد رؤية وجهك المزري أطيق
فالعلاقة بيننا صارت كعلاقة اللص بالتحقيق
أو مثل علاقة ناسكٍ متعبدٍ بفاسقٍ لاٍه صفيق
لا تنظر إلي هكذا وتوقف يا هذا عن التحديق
لماذا تبدو ساهماً كأنك لا تقوى على التصديق
نعم فالوصل فيما بيننا منذ دهرٍ طاله التفريق
فمن اختار الجري خلفك غالباً يطلقني تطليق
وإن خيّروه بيننا تحاشاني كأني لدربه معيق
فمنذا الذي يمسك بي إذا الدنيا عليه تضيق
وكم من واحدٍ يرى بي طوق النجاة وهو غريق!
نحن يا هذا في زمان البيع والشراء والتسويق
وأنت الآمر الناهي وأنت الحلم وأنت كل البريق
فأنت تجعل من يرتمي تحت نعليك يبدو طليق
أما أنا فمن يلازمني يعاني القمع والتضييق
وكأنني شبهة تثير عند الخلق خوفاً محيق
فما لمثلي من عزوةٍ وكم يمشي معي من رفيق!
فضحك المال شامتاً وقال بابتهاجٍ وتصفيق
كم نصحتك أيها الديناصور الهرم العتيق
من عصور ما قبل التاريخ والكتابة والتوثيق
أن تعمل عندي بمرتبٍ ضخمٍ يُجزي ويليق
شريطة أن تنسى النزاهة والأمانة والتدقيق
فأجابه بإباءٍ أنا أعمل عندك أيها الزنديق!
لو اشتغلتُ زبالاً أو عتالاً أحمل الصناديق
أرحم من الشغل عند وغدٍ لماء وجهي يريق
سموه مالاً لكثرة ما أمال القلوب عن الطريق
فلا مجال إلى الصلح بيننا أو إلى التوفيق
فقبح الله وجهك ولا رأيتَ ولو ساعةً من توفيق
وعاجلهُ بلكمةٍ سديدةٍ أصعب من فراق العشيق
رمته أرضاً على أم أنفه وأسكتته عن النعيق
قائلاً له خذها أيها النذل لعلك منها لا تفيق
وواصل سيره مثل فارسٍ مغوارٍ من الإغريق
هاتفاً سأبقى أنا الأعلى مهما علا النهيق
ومهما سعيت لإخضاعي لمنطق العبد الرقيق
وستنتهي ورهطك الأوغاد في قاع الحريق!
د. خالد سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق