السبت، 4 مايو 2024

قراءة في رواية
سماحة الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ
" النّخلة الدّمشقيّة "
بقلم: حسين أحمد سليم الحاج يونس*
الرّواية بمفهومها الفنّي الأدبي، هي نوع من سرد نثري مُطوّل، لا ينتمي إلى هويّة الشّعر، و يقترب من صياغة فنون القصّة، إنّما يختلف عنها من زوايا عدّة، فلكلّ فنّ أدبي عالمه الخاصّ…
فكما أنّ لفنون نظم و قرض الشّعر فنّ و فنّان خاصّ به، فهكذا فنّ كتابة الرّواية، يمتلك خيالاً خاصّاً بها…
والرّواية كسرد قصصي نثري طويل، يُصوّر شخصيّات فرديّة أو جماعيّة مُعيّنة من خلال سلسلة من حركة الأحداث والأفعال والمشاهد. التي تُعتبر نسيج قِوام هيكل الرّواية. أو هي فن من فنون النّثر الأدبي قائم على أسلور الحكاية، ينتظم بسلسلة من الأحداث الحقيقيّة أو المتخيّلة أو الإفتراضيّة، تقوم بها شخصيّات أو قوى معيّنة، وتستغرق وقتاً طويلاً من الزّمن، وتجتمع فيها عناصر مُتنوّعة، تختلف أهمّيّتها بحسب نوع الرّواية، ويربط ذلك كلّه بحبكة ترتفع بها إلى التّأزّم الذي يصل مداه إلى ما قبل النّهاية فيأتي الحلّ إيجاباً أو سلباً، أو تكون النّهاية مفتوحة لا تقدّم حلاً؛ بل تدفع القارئ إلى المشاركة في الصّراع والبحث عن حلّ للتّأزّم والعقدة...
وقد إجتهد مؤلّف كتاب رواية: “النّخلة الدّمشقيّة”، الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، بـفعل حركة مكوّنات و عناصر الشّموليّة التّفصيليّة المفيدة، فجاءت منظومة أفكار روايته، متكاملة لخصوصيّات و سمات كتابة الفنّ الرّوائي…
و بقراءة موضوعيّة تحليليّة، لرواية: “النّخلة الدّمشقيّة”، نخلص إلى تكوين رؤى أدبيّة ممتعة و مثمرة، بحيث نتلمّس تقنيّة و جودة بسلاسة اللغة، و متانة حبك النّصّ الرّوائي، بإستعمال المنهج السّيميائي التّطبيقي و النّظري عند المؤلّف، الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، ممّا يتيح للقاريء الواعي، الخروج بصفوة خلاصة و زبدة أفكار، لجملة معلومات ذات قيمة رفيعة، عن فعل الواقع الرّوائي، الذي يتفاعل حضارة ثقافيّة، بتنمية مستدامة، مع حركة ثورة عولمة المعلومات، و معرفة بعناصر سبك و تدبيج فنون الرّواية، و كيفية تضمينها تحت تقسيمات الدّراسة الممنهجة…
إستخدم الرّوائي الشّيخ الشّلّ، أهمّ مُقوّمات وعناصر كتابة الفنّ الرّوائي، في حركة فعل تشكيل روايته، مُبرزًا المكان الجغرافي والخلفية التي تجري فيها مسرحيّة الرّواية. والتي تشمل جوانب المكان والزّمان والمناخ وأسلوب الحياة والجوّ. وتشمل الأشخاص وما إلى ذلك، الذين يشاركون في أحداث الرّواية. الذين لديهم سمات ودوافع وأدوار مختلفة في الحوادث والوقائع، التي هي نسيج قِوام جوهر الرّواية. إضافة لتحديد الصراع بين القوى المتعارضة في الرّواية. هذا الصّراع بمحتوى مضامينه، يوفّر الإهتمام والتّشويق. ويمكن أن يكون داخليّاً أو خارجيّاً، ويشمل الطّبيعة أو المجتمع أو شخصيّات أخرى...
واعتمد الحبكة التّرتيبيّة للأحداث في الرّواية. حيثُ ينشأ من الصّراع ويصل إلى ذروته، حيث يُحَلُّ أو يُترك دون حلّ. مع تحديد موضوع الرّواية، والفكرة المركزيّة فيها. بحيث يمكن التّعبير عنه ببيان قصير عن طبيعة الإنسان أو الحياة أو الكون. إنها رسالة المؤلّف الشّيخ الشّلّ، وأحد الأسباب التي دفعته إلى كتابة الرواية...
وجسّد الكاتب في نسيج روايته، العديد من عناصر أنواع فنون كتابة الرّواية. دامجًا فيها بأسلوب مُحكم، الأحداث التّاريخيّة، والمغامرات في بيئات إجتماعيّة مُعيّنة. مع التّركيز على التّطوّر العاطفي والأخلاقي بين شخصيّات الرّواية. مُستخدمًا عناصر المظلوميّة والغموض. مُستكشفًا الأفكار والمشاعر والدّوافع الدّاخليّة لشخصيّات روايته. مُلقيًا الضّوء لتصوير العادات والقيم والسّلوكيّات الإجتماعيّة لفئة مُعيّنة من النّاس. مُكوّنًا من تفاصيل روايته، العديد من الرّسائل والمُذكّرات والوثائق. جاعلا من بعض صورها نمطًا من الحياة، والإصطناع في المجتمع الحضري. مُستوحيًا جوهر مضامين روايته من أشخاص وأحداث حقيقيّة، قنّعها بأسماء وتفاصيل إفتراضيّة. رافضً العناصر التّقليديّة للحبكة والشّصيّة والمكان والموضوع، في تجريبٍ للشّكل واللغة والأسلوب. والرّواية بشكل عام، هي شكل أدبي غنيّ ومُتنوّع، قدّم فيها الكاتب الرّوائي الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، تجارب ووقائع ووجهات نظر مُتنوّعة، تجذب مشاعر وأحاسيس القاريء، للغوص في البعد الآخر لمحتوى الرّواية...
وتميّزت رواية “النّخلة الدّمشقيّة”، للمؤلّف، الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، بإمتلاكها مجموعة من عناصر حركة التّجديد و التّحديث و المغامرة، مبتعدًا في صياغة فصولها، عن التّزلّف و التّملّق، سابرًا في تفاصيلها، البعد الآخر، حيث الحقيقة تتجلّى… فأتت روايته، بما تضمّنته، منصّة أدبيّة روائيّة، لإحتواء جُلّ الضّغوطات و المعاناة و القهورات و المظلوميّات الممارسة بحقّ الإنسان، و تسليط الأضواء على المستوى الإنساني المُتدّني في التّعامل و التّواصل، و بهذا الأسلوب المُحكم، تحوّلت رواية...
“النّخلة الدّمشقيّة”، إلى منبرٍ حرّ، تحت أعواد هيكليّة المحكمة الإنسانيّة العادلة، يعاقب القاضي العادل، عن طريقه، الظّالم و الجائر و المستكبر، بعقاب أدبي لغوي سردي متين الحبك، تأتي حُزم سيّالات وقعه، أشدّ تأثيراً من العقاب الشّفهي، لأنّه وثيقة دامغة و جليّة بيد الإنسان، تمّ نقلها إليه، عن طريق كاتب مُتمكّن، و راوٍ يعرف حيثيّات القضايا و معاناتها و ضغوطاتها و تأثيراتها…
و إذا ما تعمّقنا بالقراءة لرواية “النّخلة الدّمشقيّة”، نخرج بحصيلة معلومات مثمرة، و ممّا تميّزت به، نزوع شخصيّاتها إلى البحث عن الحقيقة، ميزتها تلك العناصر القويّة، التي تُثير القاريء، و تهزّ عواطفه… تخلق فيه من التّعاطف مع بعض شخصيّات الرّواية، ما يُعقلن قلبه و يُقلبن عقله، و يفتح وعيه الباطني، و عرفانه الذّاتيّ، لما يريد أن يلقيه الرّاوي من إيحاءات…
و من ابراز الملامح التي تميّزت بها رواية “النّخلة الدّمشقيّة”، هي الميل إلى وصف مشهديّات الطّبيعة، و أطياف ألوانها، حيث يتّخذ الإنسان من الطّبيعة و أشجارها موطناً له يبتعد به عن النّاس…
و يبرز في الرّواية، ضمير المتكلّم على اللغة السّرديّة، و كثيراً ما
نرصد إعترافات أبطال الرّواية تُدوّن في مذكّرات، أو مدوّنات تستوعب سرد ذاتي، بصياغة متّقنة… و نجد في متن الرّواية، جانب فلسفي للواقعيّة، الذي أسهم في بلورة و ظهور الرّواية على حقيقتها الواقعيّة…
بحيث أسّست من الواقع قاعدة لها تنبت عليها جذورها الرّصينة، و بهذا يشمخ أفق متنها عالياً، و تمتزج الواقعيّة، بالطّبقة العاملة في الأهداف…
و أهمّ مميّزات الرّواية، هو تطرّقها لقضايا جوهريّة واقعيّة معاشة بأمتياز، و هنا يتراءى لي بما لايقبل الجدل، أنّ الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، تفوّق في تناول توصيفات شخصيّات روايته، لِتُعدّ روايته، سياسيّة إجتماعيّة إنسانيّة، توكيدًا للحركة الرّوائيّة الواقعيّة… فالقضية التي يعالجها الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، قضيّة إجتماعيّة كبرى، تتعلّق بالصّراع بين الإنسان و سلطات الأمر الواقع، بحيث يقف كلّ طرف من طرفيّ الصّراع موقف، نتيجة الإلتزام العقائدي أو للدّفاع عن حقوق طبقة مهضومة تجاهد لإنتزاع حقوقها…
و إنّ أهمّ ما إمتازت به رواية: “النّخلة الدّمشقيّة” عمومًا، صدقها في مناقشة الواقع و إشكاليّاته بالدّرجة الأساس، و إنّ الفعل السّردي، الذي إعتمده الكاتب الشّيخ الدّكتور حسن محمود الشّلّ، تفوّق به لمرتبة مثمرة بين الفنّون الأبداعيّة عامّة…
* كاتب باحث و مهندس فنّان عربي لبناني من بلاد بعلبك.
رائد فلسفة تجاويد الفنون الأدبيّة والهندسيّة التّشكيليّة الدّوليّة.
رئيس تحرير جريدة التّواصل اللبناني الدّولي.
مدير عام دار الماضي والحاضر والمستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...