السبت، 29 يونيو 2024

ارفض تزويجي ! 
تقف "حرة" أمام نافذة غرفة نومها، وتترك نظرها يتجول على فسيفساء الشرفات المغطاة باللون الوردي بفعل شمس الغروب تشتعل السماء في الأفق، فوق الجبال. وينكشف سحر جديد. وفي هذه الساعة التي تسبق حلول الظلام، تكتسي القمم باللون البنفسجي والخبازى، ويحدها بإفريزها المسنن عباءة أرجوانية وذهبية معلقة فوق المدينة.
 يتألم قلبها من ذكرى الأوقات السعيدة، هناك، في الصحراء التي تهتز بألف صوت مع ظهور النجوم، واحدا تلو الآخر. في نسيم الشفق، يعلنون عن النجم الليلي، وطقطقة النار، والأغاني السحرية التي تهدئ الأحلام....وتتذكر وأنفها على التعريشة الخشبية الجميلة التي تخفف وهج المشهد، أناشيد البدو، بوجوههم المحمرة، المنطوقة مثل تنهدات الحب التي رحلت على أجنحة النسيم، تحملها أبخرة الليل.
 إلى أي مملكة يبعدونني؟ إلى أي شغف أزلي سجنوا روحي؟ بين أفراد قبيلتي، لا يوجد أي عائق. الفضاء اللامحدود على مد البصر، لا حدود لنظراتهم وخطواتهم المتحدة. لا حدود لذاكرتي المتجولة، الخيال الذي ينتقل من القبلة إلى العناق ويعيد إلى الحياة مشاعر الرومانسية المجنونة. هذه هي ملاحم الرجال الزُرق...
بالنسبة للفتاة البالغة من العمر تسع سنوات، والتي كانت تمرح في ذلك الصباح بلا مبالاة في مروج واحتها، كانت الصدمة قاسية. لم تفكر في الغد، ناهيك عن هذا المستقبل الذي قرره والدها وأمها بما يخدم مصلحتهما. وفي غضون سنوات قليلة، عندما تكبر، ستعيش مع رجل لا تعرفه. وفجأة، أصبح ما كان واضحا أكثر قتامة. لقد تم الآن أخذ الحرية القليلة التي كانت تتمتع بها. يتقلص السجن من حولها. زمن الطفولة يقصر. لقد أصبحت بالغة، تقريبا امرأة، منذ أن أصبحت مخطوبة، قاصرة ومكرهة، ضحية ترتيبات أعدتها الأسرة. "يقودها القدر للمكروه مكرهة، والعين باكية والقلب حيران." *
 الخطوبة بالإكراه، اغتصاب، إحساس ليس سهلا بالنسبة ل"حرة" الطفلة. تشعر بأنها محاصرة في فخ يمنعها أحيانا من التنفس. إنها لا تغادر المنزل بعد الآن. وشددت والدتها مراقبتها. لم يعد بإمكانها التسلل للعب مع صديقاتها. قد فقدت "حرة" حريتها.
 تسمع "حرة"، وهي غارقة في أفكارها، صرير الباب، فتستدير لتجد نفسها متحجرة أمام زوجها المستقبلي الذي يسير نحوها مبتسما ويضع يده على كتفها، وهو في الستين من العمر. مرحبا يا حرة. أهلا أيتها الغزالة الجميلة. لا تخف. عندي قصة سأرويها لك... فلتت من قبضته وهربت إلى بستان النخيل... ولم نرها منذ ذلك الحين...
بقلمي عبدالفتاح الطياري 
تونس 
* الشاعر بشار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...