شعرت نسمة بكثير من الارتياح ، ليست وحدها بجوار نجلاء ، حتى وإن كان الناس بعيدين عنك مكانا بأجسادهم فأنت تستطيع أن تشعر بوجودهم بجوارك يجلسون معك ويتحدثون إليك ، بالحياة أناس هكذا يأتون بأرواحهم النقية لحيث تكون فلا تبقى وحدك أبدا
انتابت نسمة بعض الضحكات عندما التفتت فجأة تجاه النيش الموجود بصالة نجلاء ، رأت بداخله بعض الأشياء التي كان أولادها صغارا يلعبون بها كلمل جاءوا لهنا عند خالتهم لقضاء يوما معها ، لا ليست أشياء ، هي في الحقيقة بقايا أشياء مما كانوا يلعبون بها ، فيد التكسير والتخريب قد طالتها وهم يلعبون ، هذه السيارة كانت تصدر صوتا وتضيء ، وهذه المروحة الصغيرة كانت تأتي ببعض الهواء جاء بها زهران ونجلاء من الحج ، وهذه اللعبة كانت تدور صاعدة هابطة تحمل حيوانات لا هي تتحرك ولابقيت فيها الحيوانات ، رغم ذلك فنجلاء ماتزال تحتفظ بها وبغيرها حبا في أولاد أختها نسمة
مر الكثير من الوقت ولم يحن بعد أذان الفجر ، ونجلاء نائمة لاحراك فيها ، كلما دخلت عليها نسمة وجدتها كما تركتها ، جلست أمامها وهي تتساءل :
( ترى ماذا تعيش نجلاء الآن في نومها هذا ، ماذا ترى هذه المرة ، وكيف سيكون حالها عندما تستيقظ ، وماذا ستفعل ) ؟
تساؤلات كثيرة تفكر فيها نسمة ولا تجد لها إجابات ، فقط الانتظار حتى تستيقظ نجلاء ،ومايدهش نسمة هو كيف لنجلاء أن تعيش وحدها هنا في كل هذه الشقة الكبيرة ، ومن سيقضي لها طلباتها اليوم وهي بهذا الدور العالي ولا تستطيع النزول والصعود يوميا كما كان زهران يفعل ، فرغم أنه كان يكبرها بأكثر من عشر سنوات إلا أنه كان يمتلك من الرشاقة والخِفة مايمكنه من فعل كل شيء يحتاجانه بلا شكوى أو ملل ، لابد وأن يكون هناك حل لهذه المشكلة ، فنجلاء فيها مايكفيها الآن ، ليتها تقبل أن تعيش في بيت نسمه ، ولكنها لن تشعر بالارتياح في التحرك ببيت أختها حيث يوجد زوجها فايد والشقة ليست بالكبيرة مثل هنا
عندما انتهى المؤذن من آذان الفجر بالمسجد المجاور للبيت وكذلك بمحطة القرآن الكريم رن هاتف البيت ، فأسرعت نسمة التي كانت تتوضأ للصلاة نحو الهاتف الأرضي :
_ ألو ، مين ؟
_ أيوة يانسمة صباح الخير ، أنا وجيدة أخت زهران
_ أه أهلا يا أبلة وجيدة
_ طمنيني على نجلاء عاملة إيه دلوقتي ؟
_ نجلاء لسه نايمة ومستنياها تصحى براحتها ، أنا خايفة أوي من بعد ماتصحى
_ فعلا هي لمابتصحى بيظهر شيء مختلف عليها ، لسه مش مستوعبة إن زهران مات
_ طبعا يا أبلة وجيدة نجلاء كانت مرتبطة أوي بأستاذ زهران ، بينهم أكتر من تلاتين سنة زواج عاشوهم عالحلوة والمرة سوا ، وكافحوا فيهم سوا ، وأداروا تجارتهم فيها سوى
_ فعلا يانسمة عندك حق، كل ده ابتدى يبان تأثيره الآن
كانت مكالمة وجيدة مع نسمة بمثابة رسالة طمأنة أخرى ، فهي وإن كانت هنا وحدها مع أختها إلا أن الكثيرين من العائلتين يتواجدون معها بأرواحهم وتفكيرهم ودعواتهم لنجلاء بسرعة الشفاء والتماسك والعودة لاستكمال الحياة الجديدة من بعد زهران
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق