الأحد، 23 يوليو 2023

فى الجُب
يوسف يخاطر نفسه...هل يعود أخوتي أم يتركونني؟!! 
لاشك أنهم يلاعبونني..قالوا ذلك لأبى..نعم إنهم أبناء نبي..هم شامة يقصدهم الناس ليتعلموا من أخلاقهم وينهلوا من أدبهم...!!!
 انقطع صوت أخوتي...وتناءى عن السمع همسهم.. 
هاهو الليل يرخى سدوله.. ظلام طوى في أحشائه النهار فلا نجوم تضئ ولا قمر ينير قعر جُبي. 
تزحف سويعات الليل المظلمة ولا صوت إلا صوت الهواجس والخواطر التي يسترجع فيها يوسف حاله مع أخوته.. يدفع عن نفسه ظنون لا تليق بإخوته.. فهم كرام من بيت نبي.. لن يتوسد يوسف هذه الليلة أحضان أبيه.. لن تجمعهم مائدة العَشاء ككل يوم فتتقاطع نظرات أعينهم وتتعانق قلوبهم بينما يلقم يعقوب فم يوسف لقيمات السعادة والرضا.. ليتنى كنت أعلم الغيب لاستكثرت من عناقه وملأت جوانحي من حبه وحنانه ما يعينني على تحمل ما تحمله الأيام والليالي. 
 يقطع قفاري أفكار يوسف الموحشة صوت ضجيج.. هاهم أخوتي قد عادوا.. كانوا يختبرون شجاعتي.. أثقلوا المزاح وقد بكتهم أبى فندموا وهرول معهم إلىّ.. حبلٌ يتدلى أرى عليه دموعهم واعتذارهم.. يَعْلق يوسف بطوق النجاة.. يقترب ويقترب.. ويقترب من نافذة الحياة..
من هؤلاء..؟
من أنتم ...؟
ألستم أخوتي...؟!!
أين أبى..؟
وجوه غريبة لم يرها يوسف من قبل..!!
يستأذن يوسف السيارة أن يلقى نظرة عميقة بعمق هذا البئر.
لم يبق يوسف في هذا البئر إلا سويعات ولكن أحداثها ومراميها كانت بعداد الزمن دهور.
هنا بالأمس يُلقيه من يجمعُه بهم أصل واحد ونسب واحد.. لم يوقفهم أنّاتِه ولم يُرجعهم استعطافه وبكائه وتذكيرهم عهد أبيهم " وإنا له لحافظون ".

أخذوا قرارهم وعلى قلوبهم أكنة وعلى أبصارهم غشاوة تحجبهم عن العودة عما أجمعوا عليه. هنا بالأمس كان شعار الأخوة النسبية ..أخوة الدم ..شرف الانتساب إلى النبوة قد انطفأت بعد أن طفا على صدرها النشيج وذاب فى شفتيها النشيد وعلت الضحكات على صرخات الاستغاثة.. بعد أن تركوه في ظلمة الليل وظلمة الجُب وظلمة الوحدة والوحشة.. تركوه في مهاوى الردى إلى غيب مجهول .. تركوه وأقصى أمانيهم أن ينتهي ذكره ويتوارى اسمه فيخلوا لهم وجه أبيهم.. 
يتراءى أمام يوسف تلك المشاهد التي كان يسير إليها لولا أن تداركه نعمة من ربه فساق إليه السيارة وتدلى له الحبل ليخرج من مخاوفه إلى رحب الآمان ومن ضيق الجُب إلى ضوء الشمس وسعة الحياة.. وهو لا يدرى ماذا سيستقبل من قادم الأيام.
ها هو يشير إلى رافعيه ليخرج لتكون تلك بوابة الاختبارات المتتالية.
أين ينطلق به هؤلاء السيارة ..؟
هل يعودون به إلى أبيه ويفاجئ إخوته بأن أقدار الله أنفذ ومشيئة الله أوقع وتدبير السماء أسرع..
يبدو أن السيارة لن يقوموا بذلك فقد سمعهم يقولون
 " يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة "
أنا أباع في سوق الرقيق...!!
أنا يوسف بن نبي الله يعقوب " رقيق "..!!!
ألا فلا يحزن من يباعون رقيقا فبين أظهركم الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم رقيقا..!!
إنها منحة ربانية لكم لتصبروا على قانون الأقوياء وطيش السفهاء ومكابرة الأغنياء.
ها هم يسيرون في غير الطريق الموصل لأبيه وأهله وبيته وبلدته..
يطرق يوسف رأسه مستغرقا أيود حقا العودة ..!!
فماذا عساه يقول لأبيه ..أيفجعه في بنيه..أيضطره إلى قطع انتسابهم إليه.. أيُفتتْ شمل الأسرة بسببه..
كيف يحيا مع إخوته...كيف سيجمعهم دار أو طعام أو حوار ويلتفون حول أبيهم وتخفى أعينهم ما الله مبديه.. بالأمس حاذوا لقب قاتليه فكيف يعود المقتول ليعاشر قاتليه..هل ستطيب الحياة معهم وهو يعلم أنهم يضمرون له أداة قتله من الحقد والحسد..هل سيأمن على نفسه وعودته ستؤجج نار الانتقام في صدورهم وتزيد نار الحقد في نفوسهم.
هل يأمن يوسف أن يغمض له جفن في بيت يجاوره فيه من قالوا " اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخلوا لكم وجه أبيكم " ؟ يتساءل يوسف

ما أقسى هذه الحياة ...!!
اختار يوسف أن يحقق أمنية إخوةً أفرحهم غيابه وأسعدهم بعاده وأسمرهم فراقه
ولم يشق عليه سوي فراقُ أبٍٍ لا يطيق له بعدا ولا يملك عنه صبرا .
سلام على ديار لفظتنى وقد ظننتها ملاذي..سلامٌ على بيت ظننته ركنى وسندي يقطن فيه قاتليّ
سلامٌ عليك أبى إلى أن يجعل ربى رؤياي حقا.

بقلمي
طارق الصافي
مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...