عيد عشاق الحياة
تحاول "حرة " ألا تشعر بالملل.
زوج هرب و ابن أعزب في الأربعين من عمره، بدون وظيفة ويعيش معها في المنزل... كان فقدان شغلها يعني نقصًا في راتبها الشهري ببضعة خمسمائة دينار وستشعر به في تكلفة عيشها.
أما مع "سارة" صديقتها الحميمة، لم يعد هناك شيء يسير على ما يرام بينهما. لقد طعنتها من الخلف عندما شاركت في مكيدة مع زوج "حرة" السابق وطبيب الأسرة، إذا قاموا بتصميم اعتقالها في مستشفى للأمراض النفسية.
تقاوم "حرة" و تقاوم. ولكن إلى متى؟
أما "سارة" صارت تنتقد صديقتها علنا
- مقالتك الأخيرة على الصفحة الأولى لجريدتنا عن غزة كانت عنيفة و مضرة لمصير " الجريدة". هل تدرسبن سبيلا لتحقيق غرضا آخر ؟ لم نفهم تحولك.
وتجبرها على إعادة كتابة المقال بنفسها. ثم أخبرتها أن جميع القراء والرعاة غاضبون منها..
"حرة" ترد كالبركان:
- أنا اقدس الحرية و اراها شرطا اساسيا للحياة الصالحة. أصبحتم جميعاً محافظين أشرار. هل موت النساء والأطفال لا يذكركم بشيء؟ الله أعلم! و مع ذلك نتائج الحرب العالمية الثانية و حرب الفيتنام و اغتصاب بغداد ليسوا بعاد... فلعلها لم تطرا ابادة و احتلال و قتل و اغتصاب ذكور و اناث و تشويه اجسام مثل ما يحدث في فلسطين الآن ؟ هل فقدتم الذاكرة... أم اذلكم حب المال...حتى احتكرتم الجمود العقلي. أنا لا أخشى في توجهاتي أي سلطان.
سمحت "حرة لسارة" إعادة كتابة الافتتاحية. لقد جعلها ذلك حزينة بعض الشيء ومنزعجة بشكل غامض.
- حرّة، أنت تفقدين أصدقاءك يوم بعد يوم، هل تريدين إنهاء أيامك بمفردك. أنت لم تبلغي من العمر الخمسين. لم تعودي عجوزة. إنهاء أيامك كمنعزلة أمر فظيع.
- كثير من الناس يعيشون بمفردهم. إنهم ليسوا خرفًا. وهم أحرار وسعداء. ولا يغيرون مبادئهم مثلكم. من الغريب أن تكون لغتكم مقدسة و مبتذلة في وقت واحد.
- أنا أحب ألا تضجري و لا تسأمي ، تكتبين مقالات تخريبية تتعارض مع أخلاق مجتمعنا. أنت بحاجة إلى طبيب نفسي... بالاتفاق مع زوجك السابق ، انه هو من سيتكفل بالمصاريف. ليس عليك أن تدفعي أي مليم واحد.
ويتضاعف غضب حرة قوة مائة:
- شفقتك تهينني وتحط من قدري... من الآن، لم تعودي صديقتي... وأطالبك بمغادرة منزلي فوراً.
الربيع هلّ. حرة بدأت تحلم.
- الحياة هنا أكثر بهجة لأنني عملت بجد لتجميل المنزل، وأعطيت كل الجدران والنوافذ والأبواب لمسة من الطلاء. يجب أن أمحو كل شيء من ذكرياتي و الاستغناء عنهم و افتح صفحة حياة أخرى...
تبدأ "حرّة" المرأة الجديدة ، بتحضير الأطباق التقليدية... تخترع أطباقًا من بلدان مختلفة، وتبقى على الطاولة لمدة طويلة للاستمتاع بوجبتها ، وبالحلويات التي تستنبطها و تختتم شهواتها بالقهوة المغاربية، التي كانت تسميها يمنية حسب رأيها.
و كل ليلة تحتفل بعيد باخوس وحدها...و تكتب على حاسوبها :
أنت إذا فكرت في امر فن من الفنون و الإنسان فن الخالق ، فسترى انه ينشأ و يتطور و يتحول من حال إلى حال... و على هذا النحو تفهم الإنسانية! كيف نشات و من أين نشات ؟ و كيف تطورت ؟ و إلى أين تطورت ؟
بعد بضع دقائق من التردد، قررت " حرة " وضع مذكراتها في مكان آمن. كانت مذكراتها تبدو وكأنها مصحف عائلي.
في تلك اللحظة رن جرس الباب. لم تكن تتوقع قدوم أحداً. كم كانت الساعة؟ فهي ليست ساعة زيارات ؟ كما ترى من خلال ساعتها.
فتحت الباب...
- مساء الخير يا "حرة" ! قالت "سارة" بابتسامة كبيرة. هل يمكنني دعوة نفسي لتناول فاتح للشهية معك؟ أحضرت ما نحتاجه لهذه المناسبة.
اختصرت "حرة" كلامها بالرد:
- كلاَّ وألف كَلاَّ.
ثم اغلقت الباب في وجهها.
استطردت ثم قالت و الابتسامة تغزو محييها.
- كيف يريدون ان يكتبوا الأحداث بدون علم ينشئها و ينميها و يمكنها من الازهار و الاثمار ؟ ان تغيرهم خطير و مهين للمستقبل ؟ لا تصل الكتابة إلى منزلة عظيمة بدون جهد و مشقة. و تحيا حياة ملائمة لحاجات العصر الذي نعيش فيه.
نحن في حاجة ان نتحرر من التقديس المغلوط. التحرير يخضع للبحث و النقد و التحليل و الشك و الرفض و الانكار كما تخضع الحروف لتجارب العلماء حتى يتذوق القارئ الجمال و يؤثر في اعماقه الكلام.
العصر تغير وهم تغيروا للاسوأ.
العصر أخذ منا مأخذه ، كانوا رفاقي فصاروا خصومي
هنا طريقنا يفترق.
بعد يومين ، عادت "حرة " إلى مهنتها السابقة... مربية أطفال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق