الثلاثاء، 28 مايو 2024

... .. القدر الرابع ... رواية / رضا الحسيني (الفصل الثاني)
      .. .. ( 31) ( في مطروح )
، وخلال رحلتي حاولت بكل ما أملك ألا أتذكر شيئا فيه صديقاتي الثلاث ، وكنت أشعر أن كل ركاب القطار من حولي يروني ويسمعون صوت نحيبي وكأن خناجر بلا عدد تطعنني بكل جسدي ، ومع كل طعنة كنت أسمع صوت ضحكات من يطعنني 
          هكذا شعرت بنفسي وكأنني كنت مستباحة من الجميع ، هل كان الجميع يستغلون طيبتي ، أم كانوا يطمعون في هدوء شخصيتي ؟!فأنا طيلة عمري لم أكن أبدا مصدرا لإزعاج أو مضايقة أحد ، ربما لم أشعر يوما بمرارة أقصى مما شعرت بها من صديقاتي الثلاث 
       في مطروح قررت أن أغلق عليَّ شقتي الصغيرة هذه، فهي لاتزيد عن غرفة مع صالة صغيرة بمطبخ وحمام صغيرين وبلكونة لاتزيد عن متر ولكن وجدت فيها كل متعتي ، أتناول فيها قهوتي صباحا وأنا أطير مع صوت فيروز ، وفي المساء مع أم كلثوم ،ولا أتعامل مع أحد أبدا غير تيتة أم عمرو صاحبة البيت، فقط السلام مع بعض الجارات عند اللزوم والضرورة وبدون أي تداخل أو علاقات ، كنت قد وصلت لقناعة تامة بأنه لاتوجد علاقة تامة صحيحة تقوم على الصدق والثقة والمحبة ، هاهن صديقات العمر كله لم يحفظن صداقتي معهن بعد كل هذه السنوات التي تجاوزت الأربعين عام ، كيف لي أن أثق في أحد بعد ذلك ؟!، حتى شقتي لا أخرج منها إلا فقط للذهاب للبحر أو لشراء أغراض حياتي اليومية وكان ذلك يحدث مرة واحدة فقط كل أسبوع ، كنت لا أرغب في رؤية أحد ، وامتنعت عن فتح أي صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا أرى أحدا منهن ، فقط كان كل ما يحزنني هم الأولاد ، فأنا أحبهم وأقلق عليهم وأعرف مدى محبتهم لي وصدقهم معي ،لا لا ، لست أصدق أحدا، صدمتي في صديقاتي لا تجعلني أصدق أبدا أن هناك أحدا يمكنني تصديقه بعد الآن
       كيف نطقن بهذه الكلمات ، كيف تظن أيا منهن للحظة واحدة أنني يمكن لي أن أحسدهن ، أو أن روحي تسعد بضرر ولو بسيط لأي من الأولاد ، هم أولادي ، كانت يدي أول يد تمتد لهم عندما ولدوا ، كان حضني أول حضن لهم جميعا، لم يولد أيا منهم إلا وأنا معه لحظة بلحظة بغرفة الولادة ، وكم عانيت عندما كان يمرض أحدهم ، وكم فرحت عندما كان ينجح أحدهم ، حتى الآن أعيش في ذهولي ودهشتي مماسمعت ، كان الأولاد ينادونني بخالة جميلة وأحيانا ماما جميلة ، لا أدري كيف سأحتمل ابتعادي عنهم ، وأن ينشغلوا عليَّ طيلة الوقت ، ولكن كان لابد وأن أبتعد ، كان لابد وأن أختفي تماما هكذا ، مادام معي ألبومي فهم معي ، كل صورة لكل واحد من الأولاد أسمع من خلالها صوته وأضحك من كلامه ، لم أكن أتخيل للحظة واحدة أن يصبحوا مجرد ذكريات ، وأنني سأصبح لهم شيئا من الماضي ، هنا في هذه الصورة كنا في عيد ميلاد أحلام بنت أزهار ، وكنا في عز الصيف ، ودرجة الحرارة بالقاهرة مرتفعة كالعادة ، ويومها فاجئتنا أحلام بشيء لا يتوقعه أحد، وهي بنت السابعة :
_ هنطفي النور يا خالتو جميلة ؟
_ نطفي ياروح قلب خالتو جميلة
_ خلُّو بالكم ، مش عاوزة حد يصور
_ تمام تمام ، اطلعي يلا يا أحلام
_ واو ، إيه ده كله يابنت !؟
_ شُفتي ياجميلة أخرة دلعك للبنت ؟!
_ مالها بس يا أزهار ؟ ، البنت لسه صغيرة خليها تفرح شوية
_ تقوم تلبس مايوه في عيد ميلادها !
       ساعتها مقدرتش أمنع الكاميرا تصورها من جمالها وضحكتها والكل مبهور بيها ، وأنا كنت مجهزة لها طوق من الورد عشان كنت عارفة هتلبس إيه 
                                       .. مازلنا مع جميلة في القدر الرابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-( عيد ميلادي)- في الخامس من آب بعضُ طينٍ وماءٍ صارا أنا والى أنْ يختلفا سأبقى هنا... لم تكنْ صدفة أو لقاء عبثي بين عنصرين بل تحدٍّ وامتحان ...